فصل: قال ملا حويش:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ملا حويش:

تفسير سورة التغابن:
عدد 22- 108- 64.
نزلت بالمدينة بعد سورة التحريم.
وهي ثماني عشرة آية.
ومئتان وأربعون كلمة.
والف وسبعون حرفا.
ومبدأها كمبدأ الآية الأولى من سورة الجمعة فقط.
وختمت بما ختمت به سورة الحشر والجاثية.
ولا يوجد مثلها في عدد الآي.
بِسْمِ الله الرّحْمنِ الرّحِيمِ
قال تعالى: {يُسبِّحُ لله ما فِي السّماواتِ وما فِي الْأرْضِ لهُ الْمُلْكُ} الدنيوي والملكوت الأخروي يتصرف فيهما كيف يشاء ويحكم بمن فيهما كما يريد {ولهُ الْحمْدُ} من كافة خلقه على نعمائه راجع بحث الحمد في المقدمة وبحث التسبيح أول سورة الحديد المارة {وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ (1)} لا يعجزه شيء ولا يفلت منه أحد ولا يفوته فائت لا مانع ولا مدافع له ولا معقب لحكمه ولا راد لقضائه {هُو الّذِي خلقكُمْ} أيها الناس من نفس واحدة {فمِنْكُمْ كافِرٌ ومِنْكُمْ مُؤْمِنٌ} في هذه الدّنيا كما أنتم في الأزل عند الله وسيعيدكم في الآخرة كذلك {والله بِما تعْملُون بصِير (2)} قبل أن تعملوه لا يعزب عنه شيء من أعمالكم الموافقة لما هو في علمه ومدونة في لوحه.
روى مسلم عن عائشة رضي الله عنها وعن أبيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله خلق للجنة أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم، وخلق النار أهلا خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم».
راجع ما يتعلق في هذا البحث في الآية 58 من سورة هود وما ترشدك إليه من المواضع.
قال تعالى: {خلق السّماواتِ والْأرْض بِالْحقِّ} لا عبثا ولا لهوا ولا لعبا وباطلا {وصوّركُمْ} أيها النّاس في أرحام أمهاتكم، وجعل فيكم روحا منه لارادة غيركم، وجمّلكم {فأحْسن صُوركُمْ} في هذه الدّنيا لأنها على صورته، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال «إن الله خلق آدم على صورته».
وفي رواية «على صورة الرّحمن».
وهذه نافية لقول من قال إن الضّمير في «صورته» يعود على آدم لا على الله جل جلاله، وهو بعيد جدا عن المعنى، وقد أراد هذا القائل التحاشي عن وصفه تعالى بسمات خلقه، مع أنه لا مانع من القول أن الله تعالى له وجه ويد لا كأوجه خلقه وأيديهم، وهو ما مشى عليه الماتريدية أجمع، أما الأشعرية فلا يقولون بهذا، ويقولون ما جاء في القرآن من هذه السّمات بالقدرة والكمال والرّحمة وشبهها {وإِليْهِ الْمصِيرُ} (3) في الآخرة لا إلى غيره راجع الآية 7 من آل عمران المارة في بحث الأرحام وما يتعلق بها {يعْلمُ ما فِي السّماواتِ والْأرْضِ} من حركة أو سكون {ويعْلمُ ما تُسِرُّون} أيها النّاس في صدوركم وتحدثون به أنفسكم ويلوح في خاطركم {وما تُعْلِنُون} من أقوالكم وأفعالكم {والله علِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} (4) في مكامنها ودخائلها وما تحوكه من نية أو خطرة أو هاجس قال تعالى: {ألمْ يأْتِكُمْ نبؤُا الّذِين مِنْ قبْلِكُمْ} من الأمم السالفة كيف فعلنا بهم لما كذبوا رسلنا وأصروا على جحودنا أهلكناهم {فذاقُوا وبال أمْرِهِمْ} جزاء ما وقع منهم في الدّنيا، فدمرناهم تدميرا فظيعا {ولهُمْ عذابٌ ألِيمٌ} (5) في الآخرة لا تطيقه القوى البشرية، ولا الجبال الرّاسيات، فاتعظوا أيها النّاس بما جرى بهم، واعتبروا بسوء عاقبتهم، وارجعوا لربكم كيلا يصيبكم ما أصابهم {ذلِك} الذي حل بهم من العذاب الدّنيوي، والذي سيجازون عليه في الآخرة {بِأنّهُ كانتْ تأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبيِّناتِ فقالوا} ساخرين بهم ومستهزئين {أبشرٌ يهْدُوننا} استفهام إنكاري أي كيف يهدي البشر مثله؟ وهذا من سخافة عقولهم لأنهم ينكرون هداية البشر لمثله ولم ينكروا على أنفسهم إضلال البشر لمثله وعبادة الأوثان وطلب الخير في الدّنيا والشّفاعة في الآخرة منها {فكفرُوا} بالله ورسله بما جاءوهم من عند الله ولم يأخذوا بما جاءوهم لهدايتهم {وتولّوْا} عن الانقياد لطاعتهم والإيمان بربهم، وأصروا على الكفر والطغيان {واسْتغْنى الله} عنهم وعن إيمانهم {والله غنِيٌّ} عن جميع خلقه برهم وفاجرهم {حمِيدٌ 6} لمن آمن به وصدق رسله ثم ذكر نوعا آخر من سفههم الذي كانوا عليه، فقال: {زعم الّذِين كفرُوا أنْ لنْ يُبْعثُوا} بعد موتهم في الدّنيا فأنكروه ولم يصدقوا الرّسل بإخبارهم بالبعث يوم القيامة تبعا لعقيدتهم الجاهلية، إذ كان آباؤهم ينكرون ذلك ويجحدون الحساب والعقاب والثواب {قُلْ} لهؤلاء الحمقى يا سيد الرّسل {بلى وربِّي لتُبْعثُنّ} من قبوركم يوم القيامة يوم يقوم النّاس لرب العالمين مخلوقين خلقا ثانيا من أجزائهم لمتفتتة، ويعودون كما كانوا عليه في الدّنيا {ثُمّ لتُنبّؤُنّ} في ذلك اليوم {بِما عمِلْتُمْ} في دنياكم وتعلمون جهلكم بالخلق الأوّل أدى لجهلكم بالخلق الثاني {وذلِك} البعث بعد الموت والإنباء بما كان منكم وعليكم في الدّنيا {على الله يسِيرٌ} 7 سهل هين لا كلفة فيه، وكما أن خلقكم أول مرة بمجرد قول كن فكذلك تكون إعادتكم، وهي كلمة جزئية لا صعوبة فيها لو أنها تصدر من الخلق فكيف إذا صدرت من الخالق بلا صوت ولا حرف {فآمِنُوا بِالله} الذي خلقكم أيها النّاس ثم أماتكم بأنه يحييكم ثانيا {ورسُولِهِ} الذي أرسله لهدايتكم آمنوا أيضا {والنُّورِ} أي الكتاب {الّذِي أنْزلْنا} عليه كما أنزلنا على من قبله من الأنبياء آمنوا أيضا، إذ لا يكفي الإيمان بالله دون الإيمان برسوله وكتابه، كما لا يكفي الإيمان بالكتاب والرّسول دون الإيمان بمنزل الكتب ومرسل الرّسل {والله بِما تعْملُون خبِيرٌ} (8) لا يعزب عنه مثقال ذرة في السّموات ولا في الأرض، واحذروا أيها النّاس {يوْم يجْمعُكُمْ لِيوْمِ الْجمْعِ} هو يوم القيامة إذ يجمع فيه الأولون والآخرون من أهل السّماء والأرض.

.مطلب يوم التغابن في الآخرة وفتنة الأموال والأولاد في الدّنيا والأمر بالتقوى حسب الاستطاعة وذم البخل وفضل الصّدقة:

ذلك اليوم المسمى يوم الجمع هو {يوْمُ التّغابُنِ} الذي يظهر بالأعمال والأقوال الذي ما بعده تغابن، بخلاف تغابن الدّنيا الذي يكون بالتجارة وشبهها فإنه فان لا قيمة له، لأن هذا يضع الله تعالى به سعداء الدّنيا فقط منازل الأشقياء في الآخرة والأشقياء بالدنيا بسبب الفقر والفاقة والصّبر على الأذى فيها من أجل إيمانهم بالله ورسله الّذين ماتوا على ذلك مكان السّعداء في الآخرة، وإذ ذاك يظهر غبن الكافر بتركه الإيمان الموصل للسعادة الأخروية، فيتأسف ويندم ولات حين مندم، ويرد العود إلى الدّنيا ليعمل الخير وهيهات، وكذلك يظهر غبن المؤمن المقصر في الأعمال الصّالحة لأنه يرى من كان دونه في الدّنيا أعلى منه رتبة في الآخرة وأحسن مكانا ومكانة عند الله وأعلى درجة في الجنّة، فيندم أيضا على تقصيره ويعضّ يديه على تفريطه، قال عليه الصّلاة والسّلام «ما من أحد إلّا ندم يوم القيامة إن كان محسنا ندم أن لا ازداد، وإن كان كافرا ندم، أن لا أقلع عن كفره».
{ومنْ يُؤْمِنْ بِالله ويعْملْ صالِحا} في دنياه مع إيمانه فإنه تعالى {يُكفِّرْ عنْهُ سيِّئاتِهِ} في الآخرة {ويُدْخِلْهُ جنّاتٍ تجْرِي مِنْ تحْتِها الْأنْهارُ خالِدِين فِيها أبدا} لا يتحولون عنها {ذلِك} التكفير والإدخال هو {الْفوْزُ الْعظِيمُ} (9) الذي لا أعظم منه لما فيه من بلوغ الغاية التي كان يتوخاها في حياته ومنتهى الأمل الذي كان يؤمله بعد وفاته {والّذِين كفرُوا وكذّبُوا بِآياتِنا} الدالة على ذلك اليوم الذي يتغابن به النّاس {أُولئِك أصْحابُ النّارِ خالِدِين فِيها} أبدا لا يخرجون منها، وقد حذف من الجملة الثانية اكتفاء بوجودها في الأولى، وقدم مثله في الآية 35 من سورة الرّعد فراجعها {وبِئْس الْمصِيرُ} (10) النار لأهلها، وهذه الجملة بمقابلة الجملة الأخيرة في الآية قبلها وهي {الفوز العظيم} وهذا تغابن لا أعظم منه، لأن أناسا ينعمون في الجنّة وآخرين يعذبون في النّار، ويرى بعضهم بعضا ويتعارفون فيها كما كانوا في الدّنيا، فهل يوجد أعظم من هذا التغابن كلا.
واعلموا أيها النّاس إنه {ما أصاب} أحد {مِنْ مُصِيبةٍ} سقم أو ضر أو فقر أو عناء أو عصيان أو كفر أو كلّ شر {إِلّا بِإِذْنِ الله} وقضائه وقدره وإرادته، وكذلك الصّحة والعافية والغنى والطّاعة والإيمان والهناءة وكلّ خير هو بقدره وقضائه وإرادته ورضاه، وكل ذلك مدون في لوحه قبل خلق الخلق، راجع الآية 22 من سورة الحديد المارة {ومنْ يُؤْمِنْ بِالله} ويعتقد أن المصائب بقضائه وقدره، وأن من يصبر على ما أصابه ويسلم أمره إليه ويعلم أن لا محيد له عما كتبه عليه {يهْدِ قلْبهُ} فيوفقه للإيقان المحض بما يقذف فيه من النّور والمعرفة، ويجعله راضيا بكل ما يصيبه فيكون من الّذين رضى الله عنهم ورضوا عنه المعلومين عنده في أزله {والله بِكُلِّ شيْءٍ علِيمٌ} (11) من كلّ ما يصيب عباده قبل أن يصيبهم، لأنه مقدره عليهم في غيبه ويعلم الصّابر والجازع والرّاضي والغضبان، راجع الآية 10 من سورة الليل، والآية 121 من سورة طه، والآية 78 من سورة النّساء المارة فيما يتعلق في هذا البحث، وفيهما ما يرشدك لمراجعة غيرهما من المواضع.
قال تعالى: {وأطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرّسُول} كرر الفعل تأكيدا وإعلاما بأن طاعة أحدهما لا تغني عن طاعة الآخر وعدم قبول إحداهما بغير الأخرى {فإِنْ تولّيْتُمْ} أيها النّاس عن هذه الطّاعة، فالوبال على أنفسكم في الدّنيا والآخرة {فإِنّما على رسُولِنا الْبلاغُ الْمُبِينُ} (12) فقط وقد بلغ ونصح وأرشد وأنذر وأعذر وقام بكل ما كلف به، وليس عليه أن يقسركم على الأخذ بقوله والاقتداء بفعله، بل بل يترككم وشأنكم، فاعملوا أيها النّاس الخير وتيقنوا أن ربكم {الله لا إِله إِلّا هُو} لا رب غيره ولا معبود سواه، هو المحيي المميت الضّار النّافع، فآمنوا به وأطيعوه {وعلى الله فلْيتوكّلِ الْمُؤْمِنُون} (13) في جميع أمورهم وهو يهديهم إلى سواء السّبيل الموصل إلى جنته، ومن يتوكل على الله فهو حسبه {يا أيُّها الّذِين آمنُوا إِنّ مِنْ أزْواجِكُمْ وأوْلادِكُمْ} لفظ من هنا للتبعيض، لأن منهم أولياء لهم أودّاء بارّين بهم مقسطين لهم يأمنونهم كأنفسهم وإن منهم {عدُوّا لكُمْ فاحْذرُوهُمْ} من أن يوقعوا فيكم أذى، وأنتم غافلون عنهم محسنون الظّن بهم، وذلك بسبب ما بأيديكم من حطام الدّنيا وهذه الآية عامة مستمرة شاملة ما قبلها وبعدها إلى يوم القيامة.
وسبب نزولها أن رجالا منعهم أزواجهم وأولادهم من الغزو في سبيل الله خوفا من أن يقتلوا ويتركوهم وان رجالا أسلموا ومنعهم أزواجهم وأولادهم من الالتحاق برسول الله، فحذرهم الله من طاعتهم، ولما جاءوا أخبروا عند نزول هذه الآية بأن إخوانهم الّذين هاجروا قبلهم تفقهوا في الدّين، فهموا أن يعاقبوا أزواجهم وأولادهم، فأنزل الله هذه الآية وأردفها بقوله: {وإِنْ تعْفُوا} عنهم {وتصْفحُوا} عما وقع منهم {وتغْفِرُوا} زلتهم هذه {فإِنّ الله غفُورٌ} لكم ولهم ولكل من ينيب إليه ويستغفره {رحِيمٌ} (14) بعباده يحب العفو عنهم.
تحذر هذه الآية من الرّكون إلى الأزواج والأولاد، فعلى العاقل يكون شديد الحذر من غير الصّالحين من أن هذين الصّنفين، فإن كثيرا من الزوجات والأولاد قتلوا أزواجهم وآبائهم بقصد التزوج بغيره والاستيلاء على ماله ولاسيما في هذا الزمن ولا حول ولا قوة إلا بالله.
{إِنّما أمْوالُكُمْ وأوْلادُكُمْ فِتْنةٌ}
عظيمة وبلاء جسيم، يختبركم الله بهم، فهم سبب وقوعكم في تناول الحرام والاعتداء على الغير، فإياكم والافتتان بالمال والولد من أن يسوقاكم إلى ما يغضب الله وينسيكم أنفسكم فتهلكوا.
وإياكم إياكم أن تستغنوا بالمال، فإن الله يفقركم، أو تعتمدوا على أولادكم إلّا بما يرضي الله، فإذا فعلتم ما أمرتم به بشأن المال والولد وانتهيتم مما نهيتم عنه فيهما وفي الأزواج سلمتم من فتنتهم وأمنتم من شرهم ونفعوكم في الدّنيا والآخرة {والله عِنْدهُ أجْرٌ عظِيمٌ} (15) لمن يفوض أمره إليه ولا يعتمد إلّا عليه ولا يغتر بمال أو ولد أو جاه أو قوة، راجع الآية 29 من سورة الأنفال المارة المصدرة به بلفظ {اعلموا} تنبيها إلى أن ما فيها لازم الأخذ واجب التقيد فيه {فاتّقُوا الله ما اسْتطعْتُمْ} غاية جهدكم ونهاية وسعكم، وهذه الآية كالتفسير لقوله تعالى: {اتّقُوا الله حقّ تُقاتِهِ} الآية 103 من آل عمران المارة لا ناسخة لها كما قاله بعض المفسرين، لأن حق التقوى تفريغ ما في الوسع من طاقة العبد لا أكثر ولا أقل كما بيناه في الآية الملح إليها {واسْمعُوا} ما يتلى عليكم من كتاب الله وسنة رسوله سماع قبول واعملوا بهما طاقتكم {وأطِيعُوا} الله ورسوله فيما يأمرانكم به وينهاكم عنه، برغبة وطيب نفس {وأنْفِقُوا} مما رزقكم الله على عياله وأرحامكم لأن المال الذي أعطاكم إياه من فضله وجوده فنحكموه لتجودوا به على أنفسكم وغيركم ممن أوجب عليكم رزقهم منه وعلى الفُقراء والمساكين فإذا فعلتم هذا كان {خيْرا لِأنْفُسِكُمْ} عند ربكم وأعظم أجرا، ولا تميلوا إلى الشّح فيما منّ به عليكم فيكون عاقبته شرا لأنفسكم {ومنْ يُوق شُحّ نفْسِهِ فأُولئِك هُمُ الْمُفْلِحُون} (26) الفائزون عند الله في الآخرة المنتفعون بما خولهم به من النعم الواجدون ثوابها وجزائها في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.
واعلموا أيها الناس أنكم {إِنْ تُقْرِضُوا الله قرْضا حسنا} بأن تتصدقوا من حلالكم طلبا لمرضاة الله وابتغاء وجهه وتقربا إليه على فقرائه {يُضاعِفْهُ لكُمْ} من عشرة إلى ما شاء الله، لا تحديد على الكريم الجواد الذي يعطي بغير حساب، لأنه جل شأنه لا يخشى من النّفاد ويعطي بلا عوض ولا لغرض{ويغْفِرْ لكُمْ ذنوبكم}.
وما تقدم من شحكم {والله شكُورٌ} لفعل عباده المتصدقين {حلِيمٌ 17} بعدم تعجيل سلب نعمه من البخلاء علمهم يرجعوا ويتوبوا فيتصدقوا مما منحهم الله على عياله والله سبحانه {عالِمُ الْغيْبِ والشّهادةِ} يعلم ما في النّيات والضّمائر كما يعلم الأقوال والأفعال الظّاهرة لا يختلف علمه فيهما {الْعزِيزُ} الغالب على عباده القادر على سلب النّعم من لم يشكرها {الْحكِيمُ} (18) بإبقائها على الشّاكرين وزيادتها لهم، وما هو مقدر على السّلب والإبقاء من حكم لا يعلمها غيره، وقد يعلمها البشر عند ظهورها.
وختمت هذه السّورة بهذا الاسم الكريم لما انطوت عليه من حكم جليله.
هذا والله أعلم.
وأستغفر الله.
ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم.
وصلّى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين وسلم تسليما كثيرا دائما إلى يوم الدّين، ومن تبعهم بإحسان آمين. اهـ.